Friday, December 14, 2012

تعليق الحركة على باب الادارة المحلية فى مسودة الدستور الأخيرة





اسس الاختيار و العوار  فى اللجنة التأسيسية للدستور تلقى بظلالها على نصوص مسودة الدستور . النص فى مجمله يعكس جهل بمتطلبات الشعب المصري فى الحكم  المحلي و التنمية اضافة الى  ذلك ،عدم معرفة بتبعات الازمات الاقتصادية و الاجتماعية الطاحنة التى تمر بها مصر الناتجة عن غياب العدالة الاجتماعية  , و الاصرار على تجاهلها  .
النص يغيب عنه التناغم و يظهر فيه التوتر بشكل فج و لا  يعبر عن انحيازات لثورة يناير و طلباتها .نلمس بوضوح مواد تعبر عن خلفيات و افكار صاحبها دون اى نظر لأساس الدستور كعقد اجتماعى  و اقتصادي شامل لمصر الثورة .

 الاطار العام لباب الادارة المحلية مُحبط  و لا يعبر عن روح ثورة يناير او المكتسبات الشعبية لها فى تمكين الشعب و تحقيق العدالة فى توزيع الثروة و  السلطة و الموارد  ، اضافة الى انه  يعكس بالتأكيد إرادة قوية لتعميم النص و الكتابة  و عدم التحديد و إلقاء مسئولية التحديد و رسم الحدود و الاحكام  فى امور جوهرية و هيكلية على القانون و هو ما لا نريده فى الامور العامة و كررنا طلبنا فى تحصين أمور عدة فى الدستور  حتى لا تستأثر بها اى أغلبية حزبية فى المستقبل داخل اى برلمان .
الدستور الجديد ترك اكثر من 85  مادة دستورية فى كل الأبواب ليحددها القانون و منها أبواب غاية فى الحساسية مثل الادارة المحلية و الصحة و التعليم و العدالة الاجتماعية و الضريبية  وهى مواد  تحتاج الى التحصين الدستوري القوي لمسئوليتها فى ايجاد مظلة لمهمشي  الشعب المصري و الذين كانوا بمثابة وقود الثورة الاجتماعية و الاقتصادية فى الأساس .

 و فى هذا الصدد نؤكد على أهمية وجود مادة واضحة تنص على ان اى قانون يتبع مواد دستورية يكون بلا مساس بأصل الحق او تأثير على صلاحيته او نفاذه .
باب الادارة المحلية  لا يقل فى أهميته عن باب السلطة القضائية او مجلس النواب او ما شابه ، فالحكم المحلي يعتبر أساساً لبناء أى نظام ديمقراطي بل و يعتبر المعمل السياسى الأولى للديمقراطيات الناشئة . أضف الى ذلك ان المجالس المحلية تعتبر أرض خصبة لإدارة التنوع الثقافى و الأثنى داخل المجتمعات و الحد من الاستقطاب للتأكيد على العيش المشترك و ادارة الاختلاف  بعكس ما نراه فى مصر هذه الأيام .
الادارة المحلية و المجالس الشعبية المحلية  كانت و مازالت بدون رقابة شعبية حقيقية و قانونها قلعة لتحصين الفساد لذلك نكرر مطلبنا بتحصين المحليات و وضوح نقاط عدة و حمايتها دستورياً ، مثل لامركزية الدولة  و الحق فى مسائلة المحافظ و المسئولين بالإضافة الى تحديد المسئوليات المركزية و المحلية الخاصة بادارة المرافق و الخدمات
غياب مصطلح" اللامركزية"  واضحاً و صريحاً عن باب الادارة المحلية و استبداله ب"دعم اللامركزية" يؤكد ما عرفناه من مصادرنا عن انعدام نية اللجنة التأسيسية  فى تطبيق اللامركزية حالياً  و التى تعتبر عماد التنمية المستدامة فى البلاد النامية بالرغم من محاولة الكثير من المتخصصين و بيوت الخبرة عرض افكارهم و ارائهم المتخصصة التى قوبلت بعدم الاهتمام من جانب اللجنة التأسيسية للدستور.
من اهم النقاط التى تثير استغراب الشارع المصري هو مفردات مادة العزل السياسى و هى المادة التى سمحت بالعزل السياسى لأعضاء الحزب الوطنى المنحل و امانة سياساته دون النظر الى 51500 عضو للمجالس الشعبية المحلية  افسدوا مقدرات الشعب المصري و عبثوا بسلطته و ثروته بمساعدة اجهزة الأمن القمعية .بالإضافة الى 500 عضو كانوا من أحزاب معارضة كارتونية.
نستشعر الخطر فى هذه المادة بالذات فى ظل غياب تطهير وزارة الداخلية و الأساليب القمعية و السلطوية التى أودت بحياة المئات فى الفترة الانتقالية و حتى بعد حكم د\محمد مرسي و التى يمكن ان تتعاون مع ظلال النظام القديم فى اعادة انتاج المجالس الشعبية المحلية التى أسقطتها ثورة 25 يناير مثلما تعاونت و تداخلت فى كل انتخابات قبل الثورة  .

نستعرض بإيجاز رأى الحركة فى مواد الادارة المحلية  الموجودة فى نص الدستور المعروض للاستفتاء

المادة ١83

النص
تقسم الدولة إلى وحدات إدارية محلية، تتمتع بالشخصية الاعتبارية، وتشمل المحافظات والم ا ركز والمدن والأحياء والقرى؛ ويجوز أن تضم الوحدة الواحدة أكثر من قرية أو حى، وأن تنشأ وحدات إدارية أخرى تكون لها الشخصية الاعتبارية؛
وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون، بما يكفل دعم اللامركزية، وتمكين الوحدات الإدارية من توفير الم ا رفق والخدمات المحلية، والنهوض بها، وحسن إدارتها.
التعليق
تقسيم الوحدات المحلية شئ بديهى فى أى كيان سواء شركة او دولة بالاضافة الى ان التقسيم الاداري  كان متواجد قبل ثورة 25 يناير فى دستور 1971 بل و ذكرت اللامركزية ضمنيا فى مادة 162 لدستور 1971 بنص "ويكفل القانون نقل السلطة إليها تدريجيا".
اما فى الحديث عن  "كفالة دعم  اللامركزية" فلا يوجد فيها وجوب و إلزام على الحكومة لنقل السلطات  الا فى المادة رقم 235 و التى نجدها منقوصة و  سنتحدث عنها تفصيلاً لاحقاً.

مادة  184 – 189

النص (184)
تكفل الدولة ما تحتاجه الوحدات المحلية من معاونة فنية وإدارية ومالية، وتضمن التوزيع العادل للمرافق والخدمات والموارد وتقريب مستويات التنمية والمعيشة بين هذه الوحدات طبقا لما ينظمه القانون.

مادة (189)
يختص المجلس المحلى بكل ما يهم الوحدة التى يمثلها، وينشئ ويدير المرافق المحلية والأعمال الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون

التعليق :
يعطى هذا النص المدخل الأكبر للمركزية الشديدة المتطابقة مع النظام السابق حيث ذكرت اللامركزية ضمنيا فى دستور 1971  الا انه نظراً لمطاطية النص تم سلب المحليات الصلاحيات و الامكانيات الى ان أصبحت كيانات ضعيفة مفرغة من مضمونها، و أصبحت كيانات تنتظر القرار المركزي فى بيروقراطية عقيمة لا تؤدي إلا الى هدر الموارد و المقدرات و زيادة معدلات الفساد.
من ناحية اخري فان مركزية الادارة و الحكم افرزت فساد انتخابى عن أعضاء للمجالس الشعبية المحلية غير معبرين عن الاحتياجات الحقيقية للمجتمع المحلى و مشاكله و أصبخت احد مظاهر الوجاهة الاجتماعية و المرتيطة بالطبع بمصالح و خدمات زادت من فساد المحليات.
اما الحديث عن انشاء و ادارة المرافق و الاعمال و  التوزيع العادل للمرافق و الخدمات  فهو يثير التساؤل الأهم: أى مرافق و أى خدمات فى ظل دستور لا يحدد بوضوح المرافق و الخدمات التى تديرها الادارة المحلية و الاخري التى تديرها الحكومة المركزية!!؟
مادة (185)
     تدخل فى موارد الوحدات المحلية الضرائب والرسوم ذات الطابع المحلى الأصلية والإضافية. وتتبع فى جبايتها القواعد والإجراءات المتبعة فى جباية أموال الدولة وكل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
التعليق :
تعد مشكلة الوحدات المحلية الأولى و الأهم هى كيفية توفير الموارد اللازمة لتقديم الخدمات و ادارة المرافق و بناء على النظام المركزي عانت هذه الوحدات كثيرا من ضيق ذات اليد فمرة أخري يحيلنا الدستور الى القانون المعيب بدلاً من حل المشكلة و للعلم فهو قانون معيب و مفرغ من آلياته و معناه  و قد عانت منه مصر على مر العقود و عانت الحركة مثلها مثل  الكثير من المعنيين بالمحليات فى مصر مراراً  لتغيره دون جدوي مع البرلمان السابق و وزارات  شرف و الجنزوري.
أما بالنسبة للضرائب و الرسوم فالدستور لم يكفل للوحدات المحلية أداة التشريع المحلى بالأساس و الذي يمكنها من فرض الضرائب النوعية الخاصة بطبيعة الوحدات مما يحيلنا الى الدولة المركزية من جديد(مصدر 80% تقريبا من موارد الوحدات ) و التى تحدد كيفية ادارة موارد الوحدات و هى غالباً ما تكون غير مُلمة بمتطلبات الوحدات .

مادة (187)
     ينظم القانون طريقة اختيار المحافظين ورؤساء الوحدات الإدارية المحلية الأخرى، ويحدد اختصاصاتهم.
التعليق :
نرى ان النظام العام لإدارة الدولة و الحكم غير واضح فى المسودة فهو ليس برلمانى ولا رئاسي ولا مختلط بشكل واضح . أسس الحكم غير واضحة و الفصل بين السلطات غائب و التوازى فيما بينهم داخل أطار دولة قانون و الدستور لا يعبر عن دولة حديثة.
نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر مادة رقم 139 التى تعطى الفرصة للبرلمان  ان يكون سلطة أعلى من الرئيس فى حالة انه مستقل و لا يستند على أكثرية حزبية فى البرلمان و يمكنهم اجباره على اختيار رئيس وزراء من حزبهم.
و المادة  202 و الخاصة بتعيين رؤساء الأجهزة الرقابية .
مادة (188)
      تنتخب كل وحدة محلية مجلسًا بالاقتراع العام السرى المباشر لمدة أربع سنوات.ويضم إلى عضوية المجلس ممثلون عن أجهزة السلطة التنفيذية فى الوحدة المحلية دون أن يكون لهم صوت معدود وينتخب كل مجلس رئيسه ووكيله من بين أعضائه المنتخبين وينظم القانون شروط وإجراءات الترشيح والانتخاب.
التعليق :
اضافة الى احالة التفاصيل الانتخابية للقانون فنحن لا نري وجوب لوجود اى ممثلين عن السلطة التنفيذية حتى من باب الاستشارة لأنه فى الاخير السلطة الرقابية و التنفيذية متنافسين فى خدمة المجتمع (أحدهم تنفيذى و الآخر رقابى )  و نفضل ان ينص الدستور على وجود ممثلين عن السلطة التنفيذية اذا رأى ثلث المجلس( او اى نسبة يتفق عليها  ) اهمية حضوره للاستشارة و السؤال دون التصويت  و يكون ذلك  بناء على تصويت لكل جلسة و ليس بشكل دائم..
مادة (190)
     قرارات المجلس المحلى الصادرة فى حدود اختصاصه نهائية، ولا يجوز تدخّل السلطة التنفيذية فيها، إلا لمنع تجاوز المجلس لهذه الحدود، أو الإضرار بالمصلحة العامة، أو بمصالح المجالس المحلية الأخرى.وعند الخلاف على اختصاص هذه المجالس تفصل فيه على وجه الاستعجال قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وذلك كله وفقا لما ينظمه القانون.
التعليق :
فى هذه المادة استثناء و فى الاستثناء باب لتغيير أصل النص ،المادة بدأت بأن " القرارات نهائية " و انتهت ب "الا لمنع" و بدأت بذكر مصطلحات مطاطة (تجاوز الحدود – الاضرار بالمصلحة العامة ، الخ ...دون تعريف واضح لهم "
و هذا الاستثناء يسمح  بتدخل السلطة التنفيذية فى تحديد سلطات و قرارات  المجلس الشعبى المحلى و هو وضع  يماثل بطبيعة الحال الوضع قبل الثورة عندما أعطى القانون الحق لممثلة السلطة التنفيذي بتعطيل قرارات المجلس الشعبى المحلى بداعى عدم الاختصاص او التعدي على السلطات و فى بعض الحالات حل المجلس كاملاً.
 النص فضفاض لدرجة لا تُمكن المجلس الشعبى المحلى من الرقابة او التعديل على السلطة التنفيذية فى حياد .
 نطالب أيضا فى هذا الصدد بوجود مادة تنص على آليات عزل اعضاء المجالس المنتخبة (انقضاء نصف المدة + توقيعات من ثلثى الأصوات التى انتخبت العضو على سبيل المثال).

مادة (191)
      يضع كل مجلس محلى موازنته وحسابه الختامى، على النحو الذى ينظمه فى القانون
التعليق:
فى هذه المادة قصور لأن بالنظر الى باب هذه المادة (المجالس المحلية) نجد ان الميزانية للمجلس و ليس للوحدة المحلية و هو أساس المطلوب فى الحكم المحلى ،يجب على المشرع أن يلغى عنوان الباب أو سنكون بصدد معركة تشريعية فى القانون لا نهاية لها.

المادة (232)
     تمنع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور. ويقصد بالقيادات كل من كان عضوا بالأمانة العامة للحزب أو بلجنة السياسات أو بالمكتب السياسى أو كان عضوا بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين على ثورة الخامس والعشرين من يناير.
التعليق :
فى هذه المادة لا نجد اى نية حقيقية للتطهير فالأخطر من القضاء و الاعلام هو 52 الف عضو للمجالس الشعبية المحلية تم استبعادهم من العزل . هذا العدد المهول من الفاسدسن  كان يتم تزكيتهم (لعدم قبول الأجهزة الأمنية لمرشحين آخرين )، و كانوا بالطبع من الحزب الوطنى (انتخابات 2008 : حصل الحزب الوطنى على 83% من المقاعد بالتزكية قبل الانتخاب).
لا نستبعد فى هذا الصدد ان يترشح جزء منهم فى قوائم حزبية جديدة رغبة فى هذه الاحزاب فى الاستئثار و السيطرة لأان لا يمكن لأى حزب سياسى فى هذه المرحلة ان يكون لديه هذا العدد الكبير من الكوادر الشعبية و أيضا قد يكون  سبباً فى ذلك خبرتهم المحلية فى شراء الأصوات و التأثير على موظفين الادارة المحلية و أيضا  و لما قد يمثلوه من أعضاء مطيعين فى هذه الأحزاب  يساعدوهم فى الانتخابات البرلمانية و الرئاسية القادمة ، نتمنى الا يكون هذا  التغاضى قد تم بشكل مقصود.

المادة (233)
     يستمر العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدريج خلال عشر سنوات من تاريخ العمل به.
التعليق :
فى الفترة الزمنية المحددة بعشر سنوات(لم ينص على عدم مدها )  لا نعرف من الجهة المسئولة عن تطبيق النظام المنصوص عليه (الغير محدد او معلوم بالأصل) ولا نعرف كيفية و آليات  المسائلة عن الفشل فى تطبيق هذا النظام و ما هى معايير نجاح  تطبيقه من عدمه، هل هى اللامركزية الادارية ام المالية ام فى الصحة ام فى جمع الضرائب ، النص مطاط و منفتح لسيناريوهات تأخير للامركزية الدولة الى الأب
 فى الاخير ،  نري ان المشهد العام للإدارة المحلية و المجالس الشعبية المحلية لا يختلف كثبراً عن قبل ثورة 35 يناير المجيدة و التى ضحى أشرف من فى الوطن من اجل حقوق اساسية (عيش – حرية –عدالة اجتماعية – كرامة انسانية ) .

  يجب ان يدرك الشعب المصري ان التنمية المستدامة و الحصول على حقوق المواطن الاقتصادية و الاجتماعية و الخدمية لا تأتى الى بتبنى نظام واضح للامركزية المالية و الادارية ينبٌع منها نظام للإدارة المحلية و نظام للرقابة الشعبية  و المجتمعية حتى يتمكن الشعب من ادارة  موارده .
اضافة الى اننا نستشعر غياب الديمقراطية و أسس التحول الديمقراطى فى الدستور ككل و فى الحكم  المحلي بشكل محدد لأن التجارب الدولية أثبتت ان فى ظل  غياب الديمقراطية المحلية و الرقابة الشعبية عن الحكم المحلى فلا تستطيع الدولة الأم (المركزية) تحقيق أسس الحكم الديمقراطي و الشفاف او اى من مقومات الحكم الرشيد للبلد عامة.
 نعبر كحركة محليات عن استيائنا البالغ تجاه باب الادارة المحلية فى الدستور و محاولة اجهاض الحكم  المحلية و اللامركزية فى مصر مما سيتسبب فى استمرار و تغول الفساد فى مصر و نعبر أيضاً  عن استيائنا الأكبر من عدم اهتمام القوى السياسية و الأحزاب المختلفة بالإدارة المحلية فى الدستور .

اعداد: مصطفى شومان